ما وراء رؤية هرتزل: المؤسسات الوطنية ومخطط الوظائف
مقدمة حول المؤسسات الوطنية
عقدت منظمة الصهيونية العالمية مؤتمرها التاسع والثلاثين، وهو حدث عادة ما يمر دون الكثير من الانتباه، لكن هذا العام جذب العناوين الرئيسية بسبب محاولة تأمين وظيفة رفيعة لياير نتنياهو، ابن رئيس الوزراء. يثير هذا الحدث تساؤلات حول طبيعة “المؤسسات الوطنية”، وهي أربعة كيانات تأسست قبل قيام الدولة، لا تزال تعمل اليوم جنبا إلى جنب مع الحكومة وتحمل ميزانيات تقدر بمليارات الشواقل، من خلال شبكة واسعة من الأنشطة الصهيونية حول العالم.
تأسيس المؤسسات الوطنية
للإحاطة بفهم هذه المؤسسات، لا بد من العودة إلى عام 1897 في مدينة بازل بسويسرا، عندما جمع بنيامين زئيف هرتزل، صحفي يهودي من أصول مجرية، المؤتمر الصهيوني الأول. كانت أهدافه بسيطة في صياغتها ومعقدة في تنفيذها: إقامة وطن قومي للشعب اليهودي في أرض إسرائيل. فهم هرتزل أهمية وجود مؤسسات وآليات للعمل، مثل شراء الأراضي وتنظيم الهجرة وجمع التبرعات من يهود العالم. وهكذا، تأسست منظمة الصهيونية العالمية، الهيئة التنسيقية لمشروع الصهيونية.
المؤسسات الأساسية
وبالإضافة إلى منظمة الصهيونية العالمية، ظهرت ثلاثة كيانات رئيسية أخرى تحولت إلى أعمدة للمشروع الصهيوني:
- الصندوق القومي اليهودي (كيكال): تأسس عام 1901 وكان مهمته شراء الأراضي في أرض إسرائيل وتطويرها.
- الصندوق التأسيسي: تأسس عام 1920 كذراع لجمع التبرعات للحركة الصهيونية.
- الوكالة اليهودية لأرض إسرائيل: أُسست عام 1929 كذراع تنفيذية لمنظمة الصهيونية العالمية، وكانت مسؤولة بشكل أساسي عن تنظيم الهجرة واستقبال المهاجرين.
هذه الكيانات الأربعة، والمعروفة الآن بالمؤسسات الوطنية، كانت تعمل كحكومة يهودية في الشتات، وبنت البنية التحتية المادية والاقتصادية والاجتماعية التي قامت عليها دولة إسرائيل عام 1948.
استمرار المؤسسات بعد قيام الدولة
مع قيام الدولة في عام 1948، نشأ وضع فريد. عادة، تندمج الكيانات التي تعمل قبل تأسيس الدولة في المؤسسات الحكومية الجديدة أو تتفكك، لكن في الحالة الإسرائيلية، واصلت المؤسسات الوطنية عملها. يمكن نسبة ذلك لعدة أسباب رئيسية. أولا، كانت الدولة الجديدة بحاجة إلى الموارد، وبالتالي كانت المؤسسات الوطنية هي الآلية المعروفة القادرة على جمع الأموال من يهود الشتات. ثانيا، جرى القرار على ضرورة الحفاظ على العلاقة مع يهود الشتات عبر آلية مخصصة، وليس فقط من خلال العلاقات الخارجية الرسمية. ثالثا، كانت هناك إدراك بأن هناك مهام بنحو أفضل يجب أن تُنفذ خارج نطاق الحكومة.
الهيكل السياسي للمؤسسات الوطنية
تسود المؤسسات الوطنية بنية سياسية مميزة. على عكس النظام السياسي الإسرائيلي حيث تتقابل الائتلافات بالمعارضة، تم بناء المؤسسات الوطنية على مبدأ تنويع التمثيل لكافة اليهود. يجتمع المؤتمر الصهيوني كل خمس سنوات، ويعمل على انتخاب إدارة المؤسسات المختلفة. يُمثل في المؤتمر الأحزاب الإسرائيلية التي تُعرّف نفسها كصهيونية، والمنظمات الصهيونية العالمية، والتي تمتد من الأصوليين إلى الإصلاحيين.
الأنشطة المعاصرة للمؤسسات الوطنية
تستمر المؤسسات الوطنية في تأدية أدوار مهمة، التي ازدادت أهميتها في العصر الحديث. على سبيل المثال:
- الصندوق القومي اليهودي: يواصل تطوير الأراضي والحفاظ على الموارد الطبيعية.
- الصندوق التأسيسي: يعمل كذراع رئيسية لجمع الأموال ويستثمرها في مشاريع اجتماعية وتعليمية داخل إسرائيل.
- الوكالة اليهودية: تعزز الهجرة وتدعم القيم الصهيونية حول العالم، وتعمل على تقوية الهوية اليهودية لدى الجيل القادم.
التحديات والانتقادات
على الرغم من الأهمية التاريخية لهذه المؤسسات، فهي ليست خالية من الانتقادات. تفيد التحقيقات بوجود إسراف في الميزانيات ومناصب سياسية تُمنح بناءً على الولاء الحزبي وليس الكفاءة. كما يُشير البعض إلى مصطلح “مخطط الوظائف”، حيث تبدو بعض المناصب وكأنها قد خُصصت لتزويد مناصب لمتعاونين سياسيين.
كما أنه، على الرغم من هذه الانتقادات، تم تحقيق بعض التعيينات المناسبة، واشتهر بعض القادة بمؤهلاتهم الحقيقية.
الخاتمة
حاليًا، تواجه المؤسسات الوطنية تحديات كبيرة، بما في ذلك الحفاظ على علاقتها مع الجيل الجديد من يهود الشتات، والتكيف مع التغيرات الاجتماعية والسياسية. يُعتبر الهدف النهائي هو تعزيز وجودها ودورها في استمرار الرؤية الصهيونية، حيث تُعبر عن مفهوم أساسي: الشعب اليهودي ليس مجرد تجمع لأشخاص يعيشون في دولة إسرائيل، بل هو أمة مرتبطة أيضًا بشعوب الشتات.